لامناص من أنّ كلمةَ “فُتّاك”، تعودُ في تأصيلها إلى ما يُسمّى زَمنَ الجاهليّة، ما يوازي في المعنى بوقتنا الحالي “القتلة المأجورين”، فكان يُقال فُلانٌ فَتّاك “أي ما هَمَّ بعدو إلاّ ونَالَ منه”.
تُحيلُنا هذِهِ المُقاربة في المعنى، إلى واقع الصّحافة بالوقت الحاضِر، والتي تلبس اِيديولوجيات تقيّد من حرية ممارستها النّزيهة، فتنتقل من كُوّة تُشفي غليل الرّأي العام، إلى كُوَّة تمُر عبرها آلام الشّعوب، غيرَ آبهةٍ بالمعنى الجوهري النّبيل لوجودها، لا لشيء إلاّ لإرضاء غرور الخط التّحريري.
الصّحافة تحتاج لذات واعية مسؤولة، عارية من الإيديولوجيّات، وموجّهة للرّأي العام وتسهر على حقوقه، وتنبّهُه إلى واجباته، وتكشِفُ له الخبايا التي تُدار في الدّهاليز
يقول “أبو اليقظان”، صحفي جزائري؛ “إنّ الصّحافة للشّعوب حياة .. والشّعبُ من غيرِ اللّسانِ مَوات .. فهي اللّسانُ المُفصِح الذّرب الذي ببيانِهِ تُتداركُ الغايات”، فالشّعوب منحت ثقتها للصّحافة وجعلتها الحارس الأمين لتصحيح مسارها السّياسي والإقتصادي والإجتماعي، لذا فهذا الانحراف الخطير للصّحافة عبر أبنائها من منبر للتّثقيف والتّوعية إلى منبر لتعميق جهل المجتمع، جرّهُ إلينا ما اَسميتُهم “فُتّاك الصّحافة”؛ الذين يقتاتونَ من فُتات فضائح مجتمع يجتَر في كل لحظة معاناته والتي ينفّس عنها عبر الشماته من جهة، وشكرِ الله من جهة أخرى على نعمة السِّتر.
تكريسُ هذه الثّقافة، مِن مسؤوليّةِ مَنْ حادوا عن جادّة الحق وتسلقو حبال التملّق المُخزية من خلال اِستغلال الصّحافة، وتطويعها لغايات فرديّة، سواءٌ على شكلِ جماعات أو أشخاص.
إنّ رفع سقفِ حريّة الصّحافة في أي بلد في إعتقادي، أمرٌ رهينٌ بمستوى وعي هذا المجتمع، ومدى إدراكِهِ للدّورِ الحسّاسِ لمهنة الصّحافة، الأمانةُ الثّقيلَةُ الحِمل، والخلاصُ النّاجِعُ للأزمات، فهي اللّبِنةُ الأساسيّةُ والعضو الحسّاسُ في المنظومةِ الإجتماعية، التي يجب أن تحظى بالعناية الفائقة والحريّة الكاملة، لإحداث ثورة ثقافيّة تُغيِّر اتّجاه مجتمع يئن بين مطرقة تدنّي مستوى التّعليم والوعي، وسندِيان التّجهيل المُمنهَج الذي يقودُهُ الفُتَّاك.
على الصّحافة أن تُحدِّدَ اتِّجاهها، وتتحمّلَ مسؤوليتِها إزَّاءَ الوضع الرّاهن، من خلال تقديم محتوى هادِف، يزيد من بلوغ الطّموح المنشود في مجتمع مثقّف يدعم الصّحافة، ويُعزِّزُ موقِعها الشفّاف الذي لايجب أن يخدِشَ بشوكِ الأنانية وحب الذّات وجني الأموال -بأيّة طريقة- سيراً على النّهج المكيافيلي في تبرير التمسُّك بالسُّلطة بأيّة وسيلة، وهو ما يجعل قدر التخلّف لصيقاً بمجتمعاتنا.
لا اِيديولوجيّة للصّحافة إلاّ المهنيّة والمصداقيّة، ولا خط تحريري لها إلاّ خط التّنوير والتّثقيف والتّنويه.