يستعد الرّئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني للقيام بزيارة رسميّة إلى مدينة نواذيبو يوميْ 27 و28 يوليوز الجاري، حيث يُنتظر أن يشرف على تدشين مشاريع تنمويّة حيويّة، ويُطلق ورشات جديدة في واحدة من أكثر المناطق حساسية واستراتيجيّة على الحدود الشّماليّة الغربيّة لبلاده، بمحاذاة الكركرات والكويرة، وهما نقطتان محوريّتان في خارطة المصالح المغربيّة.
وتأتي هذه الزّيارة في سياق إقليمي متحوّل، يعكس تحوّل معبر الكركرات، منذ تأمينه من طرف القوّات المسلّحة الملكيّة المغربيّة سنة 2020، إلى مركز استقرار وتبادل تجاري ديناميكي، بعد سنوات من العراقيل التي كانت تفرضها ميليشيات جبهة البوليساريو. العمليّة العسكريّة المحدودة التي قادها المغرب حينها أعادت فتح شريان التّجارة الحيوي الرّابط بين المملكة وموريتانيا، ومعها بلدان غرب إفريقيا.
نواذيبو، التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن المعبر الحدودي، لم تعد مجرّد عاصمة اقتصاديّة لموريتانيا، بل باتت نقطة ارتكاز رئيسيّة للبضائع المغربيّة العابرة نحو العمق الإفريقي، وهو ما يُضفي على مشاريع الغزواني المنتظرة بُعدًا استراتيجيًّا يتجاوز حدود التّنمية المحليّة، ليمتد إلى استثمار ذكي في الاستقرار الإقليمي دون الانخراط في منطق المحاور أو الحسابات السّياسيّة الضيّقة.
ويبدو أنّ نواكشوط بدأت فعليًّا في إعادة تعريف موقعها الإقليمي، بتحرّكات ميدانيّة صارمة على حدودها الشّماليّة، لإغلاق المنافذ التي لطالما استخدمتها البوليساريو للعبور نحو الأراضي المغربيّة، في انسجام مع خطاب الحياد الذي دأبت موريتانيا على إعلانه بخصوص ملف الصّحراء.
هذا التّوجّه التّنموي يتقاطع مع دينامية مغربيّة واضحة في الجنوب، حيث كشفت الرباط، سنة 2021، عن مخطّط لتحويل الكويرة إلى ميناء اقتصادي متكامل ضمن استراتيجيّة المغرب الجديدة التي تشمل أيضًا ميناء الداخلة الأطلسي وميناء امهيريز، في خطوة عزّزت موقع المملكة كمحور لوجستي إقليمي، وخفّفت من توتّر خطاب المطالبة الموريتانيّة بـ”فرض السّيادة” على الكويرة.
في هذا السّياق، تتحوّل الجغرافيا من عبء أمني إلى رافعة اقتصاديّة، وتتقاطع المصالح بين الرباط ونواكشوط عند معبر الكركرات، الذي أضحى أكثر من مجرّد بوّابة عبور، بل ورقة جيوسياسيّة تعيد رسم توازنات المنطقة.