حوّل نقاش مشروع قانون المالية لسنة 2026 داخل مجلس النّواب إلى مواجهة سياسية غير معلنة، كشفت حجم النّفوذ الحكومي وحدود التّأثير البرلماني في واحدة من أهم المحطّات التّشريعية للسّنة السّياسية. فبعد 49 ساعة من النّقاش على امتداد ستّة أيّام، لم تُقبل سوى 30 تعديلاً من أصل 350، في مشهد يُبرز انضباط الأغلبية وتماسك الجهاز التّنفيذي مقابل تراجع في الحضور والمشاركة البرلمانية.
وبحسب تقرير لجنة المالية والتّنمية الاقتصادية، الذي صادق عليه أعضاؤها بعد مداولات مطوّلة، بلغت نسبة الحضور 67% مقابل 33% من الغياب و11% من الاعتذار، ما يعني أنّ ثلث النّواب تقريباً غابوا عن الاجتماعات التي خُصّصت لمناقشة مشروع القانون المالي.
وأوضح التّقرير أنّ الحكومة وافقت على 21 تعديلاً للأغلبية، واثنين فقط لكل من الفريق الحركي، وفريق التّقدّم والاشتراكية، والمجموعة النّيابية للعدالة والتّنمية، بينما سُحب أكثر من 60 تعديلاً خلال النّقاشات، في ما وصفه التّقرير بـ”الانفتاح المراقب” من جانب الحكومة، التي سمحت ببعض التّعديلات الشّكلية دون المساس بالتّوجّهات الكبرى للمشروع.
وفي ختام أشغال اللّجنة، صوّت 24 نائباً لصالح المشروع مقابل 10 معارضين، دون تسجيل أي امتناع، ما يعكس اصطفافاً واضحاً وانسجاماً داخل مكوّنات الأغلبية الحكومية.
من جهة أخرى، أظهر التّقرير حيوية رقمية لافتة؛ إذ حصدت جلسات المناقشة العامّة التي بُثّت مباشرةً لأزيد من 24 ساعة عبر المنصّات الرّسمية لمجلس النّواب نحو 60 ألف مشاهدة على يوتيوب، وأكثر من 226 ألف مشاهدة على فيسبوك، إلى جانب 62 ألف مشاهدة على إنستغرام، ما يعكس اهتماماً شعبيًّا متزايداً بالنّقاش البرلماني حول المال العام.
ورغم الانتقادات الموجّهة إلى ضعف المشاركة داخل اللّجنة، فإنّ حجم المداخلات التي تجاوزت 900، وعدد الأسئلة التي بلغت 1860، يعكسان دينامية نوعيّة في النّقاشات التّقنية والسّياسية، خصوصاً في ما يتعلق بالإصلاحات الضّريبية، والدّعم الاجتماعي، وتمويل القطاعات الحيوية.
ويخلص التّقرير، إلى أنّ نقاش قانون المالية 2026 شكّل اختباراً فعلياً لقدرة البرلمان على ممارسة رقابته وموازنة سلطة الحكومة، في وقت يبرز فيه البعد الرّقمي كقناة جديدة للرّقابة الشّعبية ومتابعة السّياسات العمومية. فبينما غاب بعض النّواب عن قاعة الاجتماعات، حضر آلاف المواطنين عبر الشّاشات، في مؤشّر على تحوّل متدرّج في علاقة البرلمان بالرّأي العام.








