عاد الجدل في الأوساط السّياسية والإعلامية الإسبانية حول الإطار القانوني النّاظم للحدود البحريّة بين المغرب وإسبانيا إلى واجهة النّقاش، وذلك في أعقاب صدور القرار الأممي الأخير بشأن الصّحراء المغربية، وما يحمله—وفق قراءات متداولة في مدريد—من تعزيز لموقع الرباط في تدبير سواحلها الأطلسيّة بما فيها الأقاليم الجنوبية.
ويتابع الرّأي العام الإسباني التّطوّرات المرتبطة بدينامية التّعاون الثّنائي منذ إطلاق خريطة الطّريق بين البلديْن في أبريل 2022، وصولاً إلى قرار مجلس الأمن رقم 2797 لسنة 2025، الذي دعم الطّرح المغربي للحكم الذّاتي باعتباره مقترحاً عملياً لإيجاد تسوية سياسية داخل سيادة المغرب على مناطقه الجنوبية.
وتوضّح تقارير إسبانية أنّ مسار ترسيم الحدود البحريّة ما يزال مفتوحاً دون اتّفاق نهائي، رغم تنظيم العمل البحري بين الجانبيْن طيلة سنوات من خلال ترتيبات تقنية غير ملزمة قانونياً. ويستند الجانب المغربي في مقاربته إلى القانونين 37-17 و38-17 المصادق عليهما عام 2020، واللّذين يحدّدان نطاق المياه الإقليمية ومنطقة الاقتصاد الخالص على امتداد السّاحل الأطلسي، مع تأكيد الرباط أنّ اعتماد “خط المنتصف” بشكل آلي بين ساحل قارّي وجزر غير مصنّفة كـ”دولة أرخبيلية” وفق قانون البحار لا يحقّق مبدأ الإنصاف.
وتصاعدت مكانة جبل تروبيك البحريّة في هذا الجدل باعتباره أحد أبرز عناصر التّوتّر التّقني، نظراً لما يحتويه من معادن استراتيجية مثل التيلوريوم والكوبالت، والتي يتوقّع أن تكتسي أهميّة متزايدة مع توسّع الصّناعات المرتبطة بالطّاقة النّظيفة. غير أنّ خبراء يشيرون إلى أنّ استغلال هذه الموارد يظل مستبعداً تجارياً في المدى القريب، بسبب عمق المنطقة الذي يتجاوز ثلاثة آلاف متر وحساسيتها البيئية العالية.
ويقترح مختصّون، لتفادي أي إجراءات أحادية، الالتجاء إلى ترتيبات مرحليّة أو آليات للتّطوير المشترك بما ينسجم مع المادّة 83.3 من اتّفاقية قانون البحار، في انتظار الحسم الذي ستتوصّل إليه لجنة حدود الجرف القارّي بالأمم المتّحدة. وكانت إسبانيا قد قدّمت بالفعل ملف تمديد جرفها القارّي المحيط بجزر الكناري، فيما عبّر المغرب عن تحفّظه على أي تداخل محتمل مع مطالبه المتعلّقة بالأقاليم الجنوبية، مع إيداع بيانات تقنية أوّليّة لملفّه الخاص.
وفي السّياق نفسه، اعتبرت تقارير إعلامية إسبانية أنّ جبل تروبيك أصبح محور تنافس استراتيجي، إذ تؤكّد مدريد أنّ الامتداد الجيومورفولوجي للجبل مرتبط طبيعياً بجزر الكناري، بينما يتمسّك خبراء قانون البحار بإمكانية الطّعن في أي مطالبة مغربيّة بدعوى أنّ الصّحرا المغربية—بحسب تلك التّقارير—ليست منطقة يخوّل القانون الدّولي للرباط إدارتها على مستوى الجرف القارّي.
وتبرز التّقارير المخاطر البيئية المرتبطة بالتّنقيب في المنطقة، بالنّظر إلى عمق يتراوح بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف متر، ووجود نظم بيئية حسّاسة تشمل الشُّعب المرجانية وموائل أنواع مهدّدة كالقرش والسّلاحف والحيتان.
كما تطرح تحليلات أخرى بعداً سياسياً للنّزاع، مشيرةً إلى اهتمام أمريكي محتمل بالمنطقة في ضوء تقديرات داخل واشنطن تعتبر أنّ إدارة الموارد تحت السّيادة المغربية أقل تعقيداً مقارنةً بالمسار الأوروبي المرتبط بإسبانيا.
وتتوقّع مصادر متابعة أن ينعكس مسار هذا الملف على توجّهات البلديْن، في مجالات الطّاقة المتجدّدة والاستثمارات البحريّة وأمن الملاحة في السّنوات المقبلة، في وقت يرى فيه مراقبون أنّ الفرصة متاحة أمام الرباط ومدريد لصياغة اتّفاق شامل يحوّل المنطقة من مجال خلاف إلى فضاء للتّعاون الاقتصادي وحماية البيئة وتنظيم الملاحة ضمن شراكة أطلسيّة طويلة المدى.








