تسبّب الرّئيس الجزائري -الحالي- “عبد العزيز بوتفليقة” من جديد، في جدلٍ سياسيٍّ بالبلاد، إلاّ أنّهُ هذه المرّة، ونظراً لما يعرفُهُ وضعهُ الصحيُّ الحرج، فضلاً عن تأزّم وضع بلاده وتقهقر قدرته على إدارة شؤونها، جعل من الأمور أكثر تعقيداً، خصوصاً وأنّهُ أحدثَ -نوعاً ما- تعديلاً على مقاسهِ في الدّستور الجزائري، الذي مدّد بموجبهِ بقاءهُ في الحُكم دون تحديد الولايات.
وفي ظلِّ ما باتت تشهدُهُ “الجزائر” من مظاهرات حاشدة، مُناهضة للعُهدة الخامسة، كُلُّها مُؤشّراتٌ تُنذِرُ بأزمةٍ في “الجزائر”، ممّا سيُؤثّرُ بشكلٍ أو بآخر، على المنطقة الإقليمية علاقةً بالدّول المُجاورة والقّارّة الإفريقيّة ككُل، فهل تلوحُ في الأفقِ ثورةٌ جزائريّةٌ جديدةٌ ضدّ استعمار كرسيِّ الرّئاسة، أم أنّهُ ربيعٌ عربيٌّ يتعدّى كونهُ مُناهضةً لمرضِ السُّلطة، إلى كونهِ اجتثاثاً لمصادر الفساد ؟
النّظامُ السّياسيُّ في عهد “بوتفليقة” والإتّجاهُ نحو سُلطةٍ على كرسيٍّ مُتحرّك
بعد نحوِ عِقدٍ من العنف والحرب الأهلية، يُشار إليه في “الجزائر” باسم “العشرية السّوداء”، ترشّح “بوتفليقة” للإنتخابات الرّئاسيّة، بعد استقالة الرّئيس “اليامين زروال” في عام 1999، ومن يومها ظلّ على رأس السُّلطة دون أن يبرحَ كُرسيَّ الحُكم، حتّى وهو مُقعدٌ على كُرسيّهِ المُتحرّك.
الرّئيس الحالي “بوتفليقة”، كان قد غادر بلاده في أكثر من مرّة والمناسبة واحدة، فقد استقبله المستشفى العسكري الفرنسي “فال دوغراس”، في نوفمبر 2005، بعدما تعرّض لوعكةٍ صحيّةٍ، لم تجد السّلطات الرّسميّة الجزائريّةُ آنذاك ما تقوله، فكشفت بأنّ الرّئيس أجرى عمليّةً جراحيّةً تتعلّقُ بقُرحةِ المعدة، وبعدها بحوالي ثمان سنوات، استقبله المستشفى ذاته، بعدما أصيبَ بجلطةٍ دماغيّة في شهرِ أبريل لسنة 2013، حيثُ ظلّ هناك في “فرنسا”، حتّى شهر يوليوز لنفس السّنة، موعدُ رجوعه إلى “الجزائر” وهو على كُرسيٍّ متحرّك، ومنذ ذلك الوقت وهو غائبٌ عن المشهد إلاّ من بعض الخرجات التي لم تُشكّل أيّةَ إضافة، قبل أن يُغادر بلادُه من جديد، لكن هذه المرّة، اتّجه صوب الدّيار السويسريّة للعلاج.
على ضوء ذلك، احتشدَ المواطنون الجزائريّون فورَ إعلان “بوتفليقة”، نيّته الترشُّح لولايةٍ خامسة، حيثُ عبّروا خلال خروجهم إلى الشّارع في مظاهراتٍ شعبيّة، وعبر مواقع التّواصُل الإجتماعيِّ، عن رفضهم لترشُّحه للرّئاسيّات المُقبلة، فضلاً عن شخصيّاتٍ بارزةٍ خرجت هي الأخرى من صمتها، في خطوةٍ ندّدت من خلالها دون ترشُّح الرّئيس الحالي، واصفةً ترشُّح هذا الأخير لولايةٍ خامسة، بالتّجاوز والتّطاول، ومُشيرةً إلى أنّ مُجرّدَ الإقدام على ذلك، يُعدُّ كسراً للقواعد التي تضمنُ تعاقُب التّداوُلِ على السّلطة، التي لا يمكنُ حسب تعبير هؤلاء، أن تمتدّ إلى عهدةٍ خامسةٍ لرئيسٍ مريض، استمرّ في الحُكمِ لِمُدّةِ عشرين عاماً، لم يخاطب فيها شعبه منذ أكثر من ست أو سبع سنوات، وهو مُقعدٌ، وعاجزٌ عن القيام بمهامه الرّئاسية في حدّها الأدنى، كما أظهرَ ذلك طوال عهدته الرّابعة، التي ترشّح لها وهو على كرسيٍّ متحرِّكٍ خلال سنة 2014.
البديلُ السّياسيُّ لحُكم “بوتفليقة”
تتمثّلُ المُعارضة الجزائريّةُ في القطب الإسلامي، المُمثّل في “جبهة الإنقاذ” المحظورة، وأحزاب علمانية أبرزها حزب “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية”، بالإضافة إلى تكتُّل “قطب التغيير” الوطني، وهو ممثل في شخصيات (حمروش، بن فليس، بن بيتور) سبق لها أن ترأّست الحكومة، كل هذه القوى السياسية تدعو إلى التغيير.
وفي وقتٍ سابق، كان قد أعلن أبرز قادة المعارضة، ومنهم رئيس الحكومة الأسبق “علي بن فليس”، ورئيس حركة مجتمع السّلم “عبد الرزاق مقري”، والأمينة العامّة لحزب العمّال “لويزة حنون”، انسحابهم من السّباق وانحيازهم للحراك الشعبي ضدّ “الولاية الخامسة”.
قناعةٌ ارتفعت نسبة مؤيّديها، بعد المسيرات التّاريخية التي شهدتها مدن “الجزائر”، في جمعة 22 فبراير و1 مارس، والتي خرج فيها مئات الآلاف، في أكثر من أربعين مدينة كبيرة ومتوسطة، توزّعت على كُلّ التُّراب الجزائري، من أقصى غربه إلى أقصى شرقه، بما ذلك مُدنَ الجنوب التي التحقت بـ”المنطق الوطني” المتحرّك منذ سنوات، بعد مظاهرات “الشّباب العاطل” عن العمل، وتلك الرّافضة لاستخراج “الغاز الصخري”.
التّعديلاتُ الدُّستُوريّة في مُقابل طمُوحاتِ الشّارِع الجزائري
رجوعاً إلى مسلسل تدخّلات “بوتفليقة” في عام 2008، أقرّ هذا الأخير تعديلاً دُستوريّاً، ألغى فيه حصر الرّئاسة في ولايتين، ولقي انتقادات واسعة، حيثُ قال معارضوه، أنّ التّعديل كان مؤشّراً على نيّته البقاء رئيساً مدى الحياة، وعلى تراجعه عن الإصلاح الدّيمقراطي.
اليوم، وبعد هذه الخيبة الواسعة للشّعب والشّارع الجزائريّين، التي تُترجمُ معارضة المواطنين وعدداً من الشّخصيّات السّياسيّة الوازنةِ لترشُّح “بوتفليقة” لـ”عُهدة خامسة”، خرج هذا الأخير برسالةٍ منسوبةٍ إليه، تلاها مدير حملته الإنتخابية البديل “عبد الغني زعلان”، ليتعهّد “بوتفليقة” من خلالها بعد فوزه بالانتخابات بـ”إعداد دستورٍ جديدٍ يُزكِّيه الشّعبُ الجزائريُّ عن طريق الاستفتاء، وتنظيمِ انتخاباتٍ رئاسيةٍ مُبكِّرةٍ بعد عامٍ لا يُشارك فيها”، إلاّ أنّ ذلك لم يُثنِ حقَّ المُعارضة والشّارِعِ الجزائريِّ، في المُطالبة بعدم ترشُّح الرّئيس الحالي لـ”ولاية خامسة”، وبالتّالي صياغة دستور جديد يضمنُ للجزائريّين، مجموعةً من الحُقوقِ والحريّات، التي لطالما افتقدوها، فهل سيقبلُ الجزائريّون إقتراح “بوتفليقة”، أم أنّهم سيُواصلون مسيراتهم الإحتجاجية السّلمية، في وقتٍ يلوحُ في أفقهِ ربيعٌ عربيٌّ جديد ؟