في خطوة أعادت التّوتّر إلى واجهة العلاقات الجزائريّة الإماراتيّة، أطلق الإعلام العمومي الجزائري حملة شرسة ضدّ أبو ظبي، وُصفت بأنّها غير مسبوقة في حدّتها منذ عقود.

التّقرير الرّسمي، الذي بثّته القناة الوطنيّة الأولى، حمل عبارات وُصِفت بالعدائيّة، ما يُنذر بانهيار سريع في العلاقات بين البلديْن، بعد شهر واحد فقط من محاولات ترميم الجفاء بين الرّئيس عبد المجيد تبون ونظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

ورغم أنّ الشّرارة انطلقت من حوار تلفزيوني داخلي بين أكاديميّين جزائريّين حول قضيّة الهويّة الأمازيغيّة، بثّ عبر قناة “سكاي نيوز عربية”، فإنّ الرّد الجزائري تجاوز المضمون الإعلامي، ليأخذ شكل خطاب سياسي تصعيدي حاد. التّقرير، الذي صيغ بلُغة هجوميّة غير معتادة في الأوساط الرّسميّة، وصف الإمارات بـ”الكيان المصطنع”، ملوّحًا بـ”الرّد الأخلاقي والشّعبي” على ما اعتُبر “تطاولًا على الثّوابت الوطنيّة”.

وبرزت في التّقرير ألفاظ تهديديّة أثارت موجة من الإنتقادات، ليس فقط في المحيط الدّبلوماسي، بل حتّى داخل الأوساط الإعلاميّة الجزائريّة ذاتها. الهجوم لم يقتصر على القناة الرّسميّة، بل امتدّ ليشمل مؤسّسات إعلاميّة أخرى مرتبطة بالسّلطة، ما أعطى الإنطباع بوجود توجيه سياسي مركزي للرّد على ما وُصِف بـ”الإساءة المتعمّدة” من جانب إعلام تموّله أبو ظبي.

وتأتي هذه التّطوّرات بعد شهر من اِتّصال هاتفي وُصِف بـ”الودّي” بين تبون وبن زايد، وتأكيدات رسميّة على رغبة مشتركة في عقد لقاء قريب بين الزّعيميْن. غير أنّ تلك المؤشّرات الإيجابيّة لم تدم طويلًا، إذ سرعان ما تراجعت أمام هذا التّحوّل الحاد في الخطاب الرّسمي.

المراقبون ربطوا التّصعيد الجديد بامتعاض الجزائر من مواقف إماراتيّة يُعتقد أنّها مناوئة لجهود الجزائر الإقليميّة، وعلى رأسها قضيّة الصّحراء، ورفض طلبها الإنضمام إلى مجموعة “بريكس”، وهي ملفّات لطالما كانت مصدر توتّر غير مُعلن بين الطرفيْن.

ومع عودة النّبرة الحادّة، يفتح هذا التّراشق الإعلامي فصلاً جديدًا من الأزمة بين بلديْن كان يُفترض أنّ يسيرا نحو تفاهم جديد. لكن يبدو أنّ الخلافات العميقة، والتّباينات الجيوسياسيّة، أكبر من أن تُذيبها المجاملات الهاتفيّة.